23 يوليو 2007

المؤتمر العام

المؤتمر العام لرابطة المرأة العاملة

تحت شعار : المرأة العاملة دعامة للأقتصاد وركيزه للسلام

ورقة عن : مفهوم العمل الطوعي ودوره في مرحلة ما بعد السلام

إعــداد : د. عبد الرحمن أحمد ابو دوم

مفهوم العمل التطوعي ودوره في مرحلة ما بعد السلام

مقدمـــة :

العمل التطوعي ممارسة انسانية اتخذت أشكالاً ووظائف وطرائق شتي تكونت وتميزت حسب الزمان والمكان وثقافة الانسان المتجددة وسنظل عامل توظيف لا تكتمل الانسانية إلا به إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها سيعرض البحث لبعض هذه المفاهيم ذات العلاقة الوثيقة بمفهوم السلام وتحقيقه .

تعـــريف :

التطوع لغة : هو ضد أو نقيض الإكراه .. جاء ذلك في معظم المعاجم العربية المشهورة . ولكن ابن المنظور في لسان العرب اشار الي أن التطوع هو التبرع الذاتي من غير فرض ووافقه عليه أبو بكر الرازي في مختار الصحاح . وأصل التطوع أدغمت التاء في الطاء . والتطوع تكلف الاستطاعة وهو الأصل في تكلف الطاعة ( أئتيا طوعاً أو كرهاً ) . وافاد ابن الأثير أنه فعل الشئ تبرعاً من النفس تفعلاً من الطاعة وعليه فإن الطوع أو التطوع هو الفعل الذي يأتيه الفرد بمبادرة ذاتية دون إكراه طاعة أو انقياد سهلاً لنفسه ، وهنا تجدر الاشارة الي الاستعمال القرآني الذي تكررت إشاراته في إطار عمل الخير باستعمال كلمة التطوع ( ومن تطوع خيراً فهو خيرً له ) في أمر الصيام والحج .

المفهوم الاصطلاحي :

يشير العمل التطوعي الي جميع ممارسات العمل الخيري ونفع النفس والآخرين من خلال معاني التكافل والتراحم والتعاون دون مقابل في إطار الجماعة والفـرد .

ولكن التطور الذي لازم المصطلح بلغ مبلغاً يصعب فيه تحديد سقف محدد لماهية العمل التطوعي ومجالاته ودليل ذلك ترادف المسميات وتنوعها وقديماً قيل أن كثرة المسميات دليل عظم المسمي ولعل الاتفاق علي عدم ارتباطه بالحكومة ( غير حكومي ) وغير ربحي وغير مرتبط باللون أو الدين في توصيف العمل التطوعي المؤسسي الذي حل محل العمل التطوعي الممارس قديماً بحكم العقد الاجتماعي بين الناس وما ارتبط به من مسميات مثل منظمات المجتمع المدني والقطاع الثالث والقطاع المستقل والأهلي وغيرها , كل هذا يؤكد أن المصطلح صار فضفاضاً لدرجة أدت الي اشكال عملي في حصر المنظمات التي تحمل المسمي وقد أشار الي ذلك الباحثان نبيلة حمزة وعدنان الشعبوني بقولهم إن صيغة النفي هذه غير حكومي وغير ربحي ، تجعل من الصعب الاحاطة بها وخير إشارة الي لا محدودية العمل التطوعي يتمثل في المنظور الاسلامي من امتداد التطوع من ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) أو كما قال صلي الله عليه وسلم وهي حركة عضلية محدودة لا جهد فيها لينتهي التطوع في تقديم النفس كلها رخيصة في سبيل الله . وسبيل الله هذه وتتسع بقدر إحاطة الله بكل شئ .
وتجدر الإشارة الي أن ممارسة الشر هي عمل طوعي أيضاً تأتيه الأنفس رغبة ورهبة ولكن المصطلح أغفل مساحات الرغبة هذه وفي تقديري ما ذاك إلا إصطراع الخير والشر وعليه فلا مكان للضد في إطار الصراع .. ولكن هناك شمولية في المفهوم الاسلامي تحيط بكل هذا الأمر ولعلها إحدي دلالات إحاطة الله بكل شئ فقد سجل القرآن أول جريمة قتل في التاريخ البشري واعطاها لبوس الطوع والذي بني حوله القانون الوضعي لاحقاً العمد وسبق الاصرار والترصد كدرجات اعلي ولكن السياق القرآني لم يتوقف عند مشهد القتل بل جعل من الضد مصدراً لخير لا ينقطع فإذا كانت آية قتل قابيل لهابيل هي الآية (30) من سورة المائدة ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) فإن الآية (32) من سورة المائدة ( من أجل ذلك كتبنا علي بني اسرائيل أنه من قتل نفسه بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) . وإحياء النفس الوارد في الآية يمتد ليشمل كل ما يحي النفس البشرية ليس خلقا من عدم وإنما إحيا ترك واستمرارية كال قال النمرود أحي وأميت لعل هذا الإحياء ومنع القتل هو جماح لمجاهدات الإنسانية وحصول التنمية والسلام والطمأنينة بما في ذلك الصحة والتصالح مع البيئة ومنع الجريمة والشر عموماً .
مبادئ العمل التطوعي :

ولما كان الدين المصدر الأول للإلهام في العمل الطوعي فإذا دعاة التغيير والتبديل تحت مسمي التطوير عندما ابعدوا الدين عن الدولة أرادوا ان يجعلوا للتطوع مبادئ يجتمع عليها الناس بعيداً عن الدين ولكن لا اراها إلا الدين ولعل الممارسة العملية لكثير ممن تدثروا بثوب الانسانية افراداً وجماعات ما هي إلا تحقيقاً لأهداف وكسب ذاتي كثيراً ما يتعارض مع ذات المبادئ إلا التنكر لدور الدين في حياة الناس .
وهنا نورد بعض هذه المبادئ كما جاء بها بروفيسور عبد الرحمن أحمد عثمان في كتابه عن مفاهيم العمل الطوعي وتطبيقاته النظرية :
(1) الطوعية - وقد سبق بيان ابعادها المفاهيمية .
(2) الانسانية - خدمة الانسان من اجل إنسانيته فقط .
(3) الحياد عدم - الانتماء تحقيقاً للانسانية أعلاه .
(4) الجماعية - وتلك ضرورة اجتماعية انسانية .
(5) المشاركة - تحقيق لابعاد جماعية .
ولعل الاصدار والمرجعية الدينية لهذه المبادئ لا يختلف اثنان ولا حاجة للتفصيل في ذلك .

العمل التطوعي والايمان :

جاء في تعريف التطوع انه ضد الإكراه وجاء في القرآن الكريم دلالة علي حرية العقيدة قوله سبحانه وتعالي : ( لا إكراه في الدين ) وبأعمال النظر والفكر نستطيع ان نقول التطوع = الدين ... مجازاً ويعني ذلك : ممارسة التطوع = ممارسة التدين وذلك من خلال قمة الهرم الديني ( الإيمان ) معرفة القلب والعقيدة لا تقبل إلا إذا كانت طوعية ومدلول لا إكراه نفي النفي فهو اثبات الإيمان الطوعي تاتي الممارسات الايمانية طوعية لتحقيق معاني التنافس وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فأركان الاسلام الخمس تحفها هالة كبيرة من التطوع فهناك طاعة واجبة ما زاد عنها تطوع مقبول هو مساحة التنافس .. وفي القرآن ممارسات تثبت الإيمان وأخري تنفيه ومن ذلك .
(1) ( أرأيت الذي يكذب بالدين .... ) سورة الماعون
(2) ( مناع للخير معتد أثيم .....) سورة القلم "12"
(3) ( مناع للخير معتد مريب ..) سورة ق "25"
(4) ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) المؤمنون "61"
(5) ( يا أيها الذين آمنوا أركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) سورة الحج "77"

ومن الأحاديــث :

(1) ( لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
(2) ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا ولا تؤمنوا حتي تحابوا ألا أدلكم علي شئ فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) .

والأمثلة كثيرة من القرآن والسنة وقد جاء في الحديث القدسي ( لا يزال عبدي يتقرب لي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه وبصره الذب يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لاعيذنه وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) رواه البخاري
وهكذا نستطيع أن نصل الي المعادلة .
الايمان يورث العمل الطوعي والعمل الطوعي يزيد الايمان .. أو أنه تبادل مزدوج العمل الطوعي الإيمان .

السلام والعمل الطوعي :

العلاقة المفاهيمية :

السلام في الاسلام امتداد لمعاني الايمان فالسلام اسم من أسماء الله والسلام هي إحدي الحنان التي وعد الله بها المؤمنون والتي بدخولها يتحقق السلام والأمن الأبدي ( أدخلوها بسلام آمنين ) سورة الحجرات "42" وعليه فان السلام المتحقق في الدنيا إنما هو مقاربة بقدر جهد المجتهدين ولكن أداة هذا الجهد ودلالتها في الاسلام أن جعل الله السلام التحية شعاراً لهذه الأمة المبادرة به تطوعاً مأجور ورده فرض التأخر عنه إثم مازور وذلك خلاصة ما أورده ابن كثير عن سفيان الثوري وحسن البصري في تفسيرهما لآية ( إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) سورة النساء "86 "
ويتأكد مناخ الاسلام في السلام أن جعل الله السلام مسئولية متبادلة يحرسها طرفان من بادر بها سبق ومن تاخر فقد وقعت عليه المرجعية وكان إثمه بسبب إمتناعه عن السلام حتي ولو تأول إغراض وأهداف من بادره بالسلام فقد جاء في الآية "94" من سورة النساء توبيخ الله سبحانه وتعالي لمن فعل ذلك :
( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة وكذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) .
وهذه الآية تجعل من إلقاء السلام دلالة إيمان وأمن إذ يتساوي في ذلك من قال السلام كما جاء في صريح الآية أو من قال لا إله إلا الله قتل فقد أورد القرطبي ما معناه أن من قال لا إله إلا الله وقتل تأولا بعدم إقراره أمر منهي عنه ودليل ذلك أن الايمان ليس هو الإقرار فقط كما يفعل المنافقون الذين لا يقتلون وكان القول الشافي عند الصادق المصدوق رسول الله صلي الله عليه وسلم إذ قال : ( أفلا شققت عن قلبه ) فثبت أن الايمان هو الإقرار وغيره وأن حقيقة التصديق هي القلب وليس للعبد طريقاً إليه إلا ما سمع وقد يقول قائل كيف ذلك وقول الرسول صلي الله عليه وسلم : ( امرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله ) وفي هذا أفاد الدكتور محمد سعيد السيوطي أن القتال هنا جاء علي وزن المفاعلة أي قتال من قاتل وليس ابتداء بالقتل اذا لم يأتي نص الحديث امرت ان اقتل . ويهمنا هنا الانتهاء الي أن قول لا إله إلا الله دالة أمنية ايمانية والمقاتلة وسيلة لتحقيق الأمن .. كل هذا ورد في اطار صريح لتحمل المسئولية المشتركة للسلام ، وتتجلي عظمة موقع السلام في الاسلام وفرضية رده حتي لو كان خدعة فلا مجال للتراجع ولابد من الالتزام بفرضية السلام توكلاً علي الله ( وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ) سورة الانفال "61-62"
وليس أعظم دلالة من أهمية السلام في الاسلام من حديث أبو هريرة الذي يجعل السلام اداة محبة والمحبة ضرورة
ايمانية طوعية ( والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا ولا تؤمنوا حتي تحابوا ألا أدلكم علي امر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ) .

السلام والتنمية :

معظم الصراعات والنزاعات البشرية القائمة اليوم هي بسبب إدعاء الظلم في توزيع الثروة وتحقيق التنمية لفئات دون أخري ولكن هل يمكن ان تتم التنمية في ظل الصراع ... قد تكون التنمية ضرورة لإنزال الأمن وتحقيقه وبالمقابل من غير أمن فلا توجد تنمية ولكن بتحقيق السلام فان الأمن والإيمان يتنزلان وتتحقق التنمية ولأغراض مفهوم تطبيق السلام والتنمية أنظر لهذا النموذج :

دور العمل التطوعي في مرحلة السلام في السودان :

إذا قبلنا العلاقة بين العمل التطوعي والإيمان وإذا قدرنا أن نجمع المجتمع المؤمن مجتمع آمن ف‘ن ذلك يقود إلى أن الإيمان الأمن وعليه يمكن قبول هذه المتوالية الثلاثية التي تبلغ مقاصدها من أين أبتدت :
وهذا الأمر يتحقق استقراره بعبادة رب البيت الذي أطعم من جوع وآمن من خوف ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) . ولذلك فان أولي واجبات العمل التطوعي في ظل السلام تتمثل في تأمين السلام وذلك من خلال بناء قدرات الأمن الاجتماعي .
وهنا لابد من البدء بالسلم الاجتماعي تأكيداً لمعاني السلام والمحبة والأثرة من خلال اطعام الطعام وافشاء السلام وتثبيت معاني الايمان برفع الظلم وتحقيق العدالة فيتحقق الأمن لتبدأ عملية التنمية وهنا أحسبني لست بحاجة لبيان دور ومجالات العمل التطوعي في قضية البناء والتعمير من خلال مفهوم احياء النفس البشرية الذي يتسع بالخدمات البشرية جميعها صحة وتعليم وبيئة وطرق وزراعة ... الخ مروراً بالاهتمام بالقطاعات المجتمعية المختلفة الأطفال – الشباب - المرأة – المسنين – وذو الحاجات الخاصة الي آخر المسميات علي أن ينزل ذلك تفصيلاً ميدانياً حسب ظروف وملابسات وجدول أولويات كل المناطق التي تأثرت بالحرب والنزاعات فاذا إتضح المفهوم وتمكن جانبه العقدي فإن التنفيذ سيكون علي هدي فقط يحتاج الأمر لإمتلاك فنيات التنفيذ .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

فكرة الموقع جميلة لكن لم تجدد حتى أن النظام الأساسي به تعديلات لا توجد الآن.